خلص عدد كبير من المعلقين الإسرائيليين إلى استنتاج مفاده أن عملية "الجرافة" في القدس الغربية التي نفذها فلسطيني من القدس الشرقية يوم الأربعاء الماضي، وأسفرت عن مقتل 3 إسرائيليين، تمثل دليلا آخر على أن القرار الذي اتخذته إسرائيل بضم القدس الشرقية بعد حرب عام 1967 كان خطأ فادحا، وأن المقاومة المقدسية المستمرة تبقى الخطر "الأكبر" على أمن الاحتلال.
وفي مقال نشرته صحيفة "معاريف" يوم الجمعة، اعتبر الصحفي شالوم يروشالمي، أن عملية الجرافة كشفت مجددا أنه من المستحيل على إسرائيل "تطبيع" ضمها للقدس، حيث سيبقى هذا الضم مرتبطا بمزيد من الدماء والآلام التي سيعاني منها عشرات الآلاف من المستوطنين الذين زجت بهم إسرائيل للإقامة في قلب القدس.
واعتبر يروشالمي أن القدس "موحدة" فقط في أذهان صناع القرار، في حين أنها على الأرض غير قابلة للتوحد؛ لأن الفلسطينيين ببساطة يرفضون التسليم بذلك.
من ناحيته، قال أمير أورن، أحد كبار المعلقين بصحيفة "هآرتس": إن عملية "الجرافة" تدلل على أن القيادة الإسرائيلية، التي أمرت بضم القدس الشرقية، "ضمت في الواقع مصادر وينابيع لا تنضب للإرهاب".
وفي مقال نشره بالصحيفة، اعتبر أورن أن القدس الشرقية تمثل "مركز الإرهاب الأكبر، والخطر الأكبر" على إسرائيل.
وأضاف أن المؤسسة الأمنية تحاول معالجة موضوع المقاومة في القدس الشرقية بشكل حذر جدا خشية انضمام المزيد من الشباب الفلسطيني لدائرة المقاومة.
شوكة في حلق إسرائيل
وفي نفس الاتجاه، اعتبر الصحفي ومقدم البرامج والسيناريست يارون لندن أن القدس الشرقية باتت تمثل "شوكة" في حلق إسرائيل.
وشدد في مقال نشرته صحيفة "يديعوت أحرنوت" على أن ضم القدس الشرقية لم يسهم إلا في إضعاف مكانة القدس "كعاصمة" لإسرائيل، وإضعاف السيطرة عليها.
وأضاف لندن: "وفقا لكل المقاييس التي يمكن بواسطتها تقدير درجة السيطرة يتبين أن مكانة القدس كعاصمة لإسرائيل تضعف باستمرار وبسرعة".
وتابع موضحا أن "التناسب الرقمي بين سكان المدينة –بشطريها- اليهود والعرب يميل لصالح العرب. ففي عام 1967 كانت نسبة الفلسطينيين لا تتجاوز خُمس عدد السكان في القدس بشطريها، أما الآن فأصبحوا 40% تقريبا" من سكان القدس الشرقية.
وحذر من أنه إذا "قرر الفلسطينيون تجسيد حقهم في الانتخاب المتاح لهم، فلن تمر إلا سنوات حتى يكون رئيس البلدية عربيًّا. وهكذا يفقد اليهود سيطرتهم على المدينة، وتحديدا تفوقهم الديمجرافي الذي تمتعوا به بدءا من نصف القرن التاسع عشر".
معطيات ذات دلالة
وبدوره، حذر الحاخام أوري لوبيانسكي رئيس بلدية القدس من أن اليهود يفقدون السيطرة على القدس.
واستند لوبيانسكي، الذي كان يتحدث في اجتماع ترأسه إيهود أولمرت رئيس الحكومة، إلى نتائج دراسة قام بها "معهد القدس لدراسات إسرائيل" جاء فيه أن عدد الفلسطينيين بالقدس الشرقية زاد خلال الأربعين عاما الماضية بنسبة 257%.
وحسب المعطيات، من المتوقع أن يتساوى عدد اليهود والفلسطينيين في القدس الشرقية في عام 2035.
ويعيش في القدس الشرقية 235 ألف فلسطيني، مقابل 500 ألف يهودي في القدس بشطريها.
تعايش هش
على الجانب الآخر، قال عاموس جيل، مدير جمعية "عير عميم" (مدينة لكل الشعوب)، التي تناضل ضد استمرار ضم إسرائيل للقدس: إن قادة إسرائيل عندما ضموا القدس الشرقية قاموا بضم مجموعة سكانية كبيرة من الفلسطينيين، دون أن يكون لديهم أي نية لرعايتهم.
وأضاف جيل: "في القدس تمارس (السلطات) سياسة التمييز والتفرقة تجاه الفلسطينيين، بحيث تشمل هذه السياسة كل مناحي الحياة، فهم لا يعطون الفلسطينيين تصاريح بناء تقريبا؛ الأمر الذي يدفعهم للبناء بصورة غير قانونية، وكذلك في البنى التحتية والتربية والصحة والعمل وجودة البيئة.. توجد تفرقة بالمقارنة مع الشطر الغربي من المدينة".
أما بالنسبة للمفكر الإسرائيلي رافي مين فقد رأى أن عملية "الجرافة" كشفت عن "التعايش الهش" بين اليهود والفلسطينيين في القدس.
وأردف في مقال نشرته "معاريف": "إن التعايش أمر هش، ومن يحلم بالقدس الموحدة يجب أن يأخذ في حسابه أن فورات غضب كهذه ستحدث بعد ذلك كجزء من الواقع المعقد في المدينة التي تنتمي إلى أبناء جميع الديانات".
وحث مين اليهود الذين يعيشون في القدس على "التعايش مع واقع تتواصل فيه عمليات المقاومة التي ينفذها الفلسطينيون من القدس الشرقية، على اعتبار أن هذا أمر طبيعي في ظل الظروف الحالية".