المرحلة الأولى من جهاد الدعوة إلي الله : ثلاث سنوات من الدعوة السرية:-
قام رسول الله r بعد نزول آيات سورة المدثر بعرض الإسلام أولًا على ألصق الناس به من أهل بيته، و كل من توسم فيه الخير فأسلمت زوجة النبي r أم المؤمنين خديجة بنت خويلد، ومولاه زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي وابن عمه علي بن أبي طالب ـ وكان صبيًا يعيش في كفالة الرسول r ـ وصديقه الحميم أبو بكر الصديق ثم تتابع كثيرون، وهكذا مرت ثلاثة أعوام، والدعوة لم تزل مقصورة على الأفراد، ولم يجهر بها النبي r في المجامع والنوادى.
المرحلـة الثانية: الدعــوة جهــارًا:-
وأول ما نزل بهذا الصدد قوله تعالى: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء:214] فدعا رسول الله rعشيرته بني هاشم بعد نزول هذه الآية، فجاءوا ومعهم نفر من بني المطلب بن عبد مناف، فكانوا نحو خمسة وأربعين رجلًا، ولما تم هذا الإنذار انفض الناس وتفرقوا، ولا يذكر عنهم أي ردة فعل، سوى أن أبا لهب واجه النبي r بالسوء، وقال: تبا لك سائر اليوم، ألهذا جمعتنا؟ فنزلت: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [سورة المسد:1] ثم نزل قوله تعالى: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} [الحجر:94]، فقام r يجهر بالدعوة إلى الإسلام في مجامع المشركين ونواديهم.
وخوفا من قدوم موسم الحج وأن يتأثر أحد بالنبيr أجتمعت قريش على أن تتهم النبيr بأنه ساحر، أما رسول الله rفخرج يتبع الناس في منازلهم وفي عُكَاظ ومَجَنَّة وذى المَجَاز، يدعوهم إلى الله ، وأبو لهب وراءه يقول: لا تطيعوه فإنه صابئ كذاب، فانتشر ذكرهr في بلاد العرب كلها.
ولما فرغت قريش من الحج فكرت في أساليب تقضى بها على هذه الدعوة وتتلخص هذه الأساليب فيما يلي:
1ـ السخرية والتحقير، والاستهزاء والتكذيب والتضحيك: فكانوا ينادونه بالمجنون {وَقَالُواْ يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ} [الحجر:6]، ويصمونه بالسحر والكذب {وَعَجِبُوا أَن جَاءهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ} [ص:4].
2ـ إثارة الشبهات وتكثيف الدعايات الكاذبة: فكانوا يقولون عن القرآن: {أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ} [الأنبياء:5] يراها محمد بالليل ويتلوها بالنهار، ويقولون: {بَلِ افْتَرَاهُ} من عند نفسه ويقولون: {إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ} وقالوا: {إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ} [الفرقان: 4] أي اشترك هو وزملاؤه في اختلاقه. {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [الفرقان:5]
3 ـ الحيلولة بين الناس وبين سماعهم القرآن {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} [فصلت:26]، ومعارضته بالأساطير والحكايات.ولما رأى المشركون أن هذه الأساليب لم تجد نفعًا في إحباط الدعوة الإسلامية قرروا القيام بتعذيب المسلمين وفتنتهم عن دينهم، فأخذ كل رئيس يعذب من دان من قبيلته بالإسلام، وانقض كل سيد على من اختار من عبيده طريق الإيمان، فكان عم عثمان بن عفان يلفه في حصير من ورق النخيل ثم يدخنه من تحته، وكان أبو جهل إذا سمع برجل قد أسلم له شرف ومنعة أنبه وأخزاه، وأوعده بإبلاغ الخسارة الفادحة في المال، والجاه، وإن كان ضعيفًا ضربه وأغرى به، وكان صهيب بن سنان الرومي يُعذَّب حتى يفقد وعيه ولا يدرى ما يقول، ومات بعضهم تحت وطأة التعذيب كياسر أبو عمار وقتل أبو جهل سمية زوجة ياسر وكانت أول شهيدة في الإسلام