إن جهل الدعاة بسيرة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يجعلهم يدعون على غير بصيرة، ويتخلقون بغير خلقه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وما نراه اليوم بين الدعاة إلى الإسلام من تفرق، ومن عدم اجتماع كلمتهم على منهج واضح محدد، إنما سببه النقص في قراءة سيرته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والتأسي بها وتطبيقها قولاً وعملاً، هذا أكبر ما يبين لنا هذا الواقع التي تعيشه الدعوة الإسلامية اليوم.
ونحن كدعاة إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قد نحيل -وهذا مما يصوره الشيطان دائماً- ضعفنا أو فشلنا أو إخفاقنا في الدعوة إلى العوامل الخارجية: إلى الفساد، أو إلى آخر الزمان، أو إلى أن الناس لا يريدون الحق، أو إلى أي عامل خارجي، ولا نتذكر -إلا قليلاً- أن السبب الأساس هو في قلوبنا نحن، وفي أخلاقنا وتعاملنا مع الناس.
بمعنى آخر: إذا كان لي جار أو قريب أو زميل، وهو مستمر على معصيته، ومستمر في بعده عن سنة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إما في الاعتقاد وإما في الأعمال والسلوك والأخلاق، فلا بد أن أسأل نفسي: هل أنا داعية على منهج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مع أنه يجاورني هذا الجار أو هذا القريب أو الزميل، وعلى الإسلام، وهو مثلي حريص على أن يقتدي بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أو يتظاهر بذلك على الأقل، ومع ذلك بيني وبينه هذه الفجوة العميقة، ومع ذلك لا أرى أنني حاولت أن أحسِّن من وضعه، فمن أتهم؟!
نعم هناك قلوب طبع الله عليها، وهناك أقوام لن يصلحوا، كتب الله عليهم الشقاوة؛ لكن قبل أن أحكم -لأن هذا من أمر الغيب- بأن هذا لن يجدي معه شيئاً، أتهم نفسي أولاً، وأتهم أخلاقي، وطريقتي معه في الدعوة إلى الله، فلو نظرنا إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإلى الصحابة الكرام؛ لوجدنا أمراً عجيباً في الخلق الحسن والتعامل الذي يجذب الناس ويجبرهم على أن يدخلوا في دين الله أفواجاً.