توينبي(1)
[ 1 ]
"لقد كرّس محمد [صلى الله عليه وسلم] حياته لتحقيق رسالته في كفالة هذين المظهرين في البيئة الاجتماعية العربية [وهما الوحدانية في الفكرة الدينية، والقانون والنظام في الحكم]. وتم ذلك فعلاً بفضل نظام الإسلام الشامل الذي ضم بين ظهرانيه الوحدانية والسلطة التنفيذية معًا.. فغدت للإسلام بفضل ذلك قوة دافعة جبارة لم تقتصر على كفالة احتياجات العرب ونقلهم من أمة جهالة إلى أمة متحضرة، بل تدفق الإسلام من حدود شبه الجزيرة، واستولى على العالم السوري بأسره من سواحل الأطالسي إلى شواطئ السهب الأوراسي.."(2).
[ 2 ]
".. لقد أخذت سيرة الرسول العربي [صلى الله عليه وسلم] بألباب أتباعه، وسمت شخصيته لديهم إلى أعلى علّيين، فآمنوا برسالته إيمانًا جعلهم يتقبلون ما أوحي به إليه وأفعاله كما سجّلتها السنة، مصدرًا للقانون، لا يقتصر على تنظيم حياة الجماعة الإسلامية وحدها، بل يرتب كذلك علاقات المسلمين الفاتحين برعاياهم غير المسلمين الذين كانوا في بداية الأمر يفوقونهم عددًا"(3).
---------------------------
(1) آرنولد توينبي Arnold Toynbee
المؤرخ البريطاني المعاصر، الذي انصبت معظم دراساته على تاريخ الحضارات، وكان أبرزها – ولا ريب – مؤلفه الشهير (دراسة للتاريخ) الذي شرع يعمل فيه منذ عام 1921 وانتهى منه عام 1961، وهو يتكون من اثني عشر جزءًا عرض فيها توينبي لرؤيته الحضارية للتاريخ. ولقد وضع المستر سومر فيل – تحت إشراف توينبي نفسه – مختصرًا في جزأين لهذا العمل الواسع بسط فيه جميع آراء المؤلف مستخدمًا عباراته الأصلية في معظم الأحيان، وحذف الكثير من الأمثلة والآراء دون إخلال بالسياق العام للكتاب، وهذا المختصر هو الذي ترجم إلى العربية في أربعة أجزاء، وهو الذي اعتمدناه هنا.