موضوع: الشهيد سمير قصير العربي هل سمعت به الأربعاء يونيو 04, 2008 1:53 pm
سمير قصير العربي
لقد شدّه همّه النهضوي الى إيلاء القضية الفلسطينية اهتماماً غير عادي. وهو المناضل اليومي الذي لا يفرّق ما بين الفكر والواقع. كنا نراه في كتاباته المدوّية وفي صرخاته المدوّية في الشارع. ولطالما كان المبادر الى إطلاق التظاهرات والاعتصامات في بيروت وباريس تأييداً للقضية الفلسطينية أو استنكاراً لما يتعرّض له الشعب الفلسطيني من العدوان الاسرائيلي المستمرّ أو من ظلم ذوي القربى العرب الذين بدورهم لم يتوانوا عن بلّ أصابعهم في مأساة فلسطين. وكم قرأناه مندّداً بأوضاع المخيمات الفلسطينية في لبنان، داعياً لإعطاء اللاجئين الحقّ في الحياة الكريمة اللائقة بعيداً عن التجاذبات السياسية التي بسببها لطالما انتهكت حقوق الانسان. ولكنه، كعادته، لطالما كان يفاجأنا بموقف من هنا أو من هناك يذكّرنا أن لا يجب أن ننزلق الى ما ينتظر منّا الأعداء. فقد كتب بشجاعة وجرأة ضد السائد المهلّل للعمليات الاستشهادية داخل اسرائيل، وانتقدها وبيَّن خطورتها وأحيانا تماهيها مع الجلاد الاسرائيلي في استهداف المدنيين العزَّل بوحشية وسادية. ولطالما كتب عن ثقافة الحياة في مواجهة ثقافة الموت وعن أهمية النضال من أجل الحياة وفي سبيلها لا من أجل الاستشهاد والعالم الآخر.
الى الاهتمام بالشعب السوري وضرورة تحرّره من "كابوس البعث". فكتب طويلا عن أحوال الشعب الشقيق، بجرأة نادرة، وقارَب مشاكله وتطلعاته للخلاص من ديكتاتورية كاريكاتورية لا تستقوِ الا على شعبها المسكين الأعزل، فيما لا تتوانَ هي عن الانصياع للأوامر والضغوط الغربية، على حدّ تكرار قوله، هازءاً ولكن أيضاً مُحدِّداً بدقة مكمن الداء والدواء.
لقد أسهم سمير قصير في بلورة وعي لبناني لمأساة الشعب السوري الضحية الأخرى وشريك اللبنانيين في المعاناة من الجلاد المسيطر على الحكم في سوريا. وغالباً ما أعاد تصويب البوصلة بانتقاده الشديد لبعض مظاهر العنصرية التي تفلّتت أحياناً من بعض الغاضبين خلال انتفاضة الاستقلال. وكلُّنا يتذكّر وقوفه على "منبر" ساحة الحريّة، ذات مساء، ليقرأ على مسامع المحتشدين، بعناد وصلابة، رسالة المثقفين السوريين المتضامنين مع الانتفاضة. ما شكّل اعتذاراً من الشعب اللبناني الى شقيقه السوري المغلوب هو الآخر على أمره.
سمير قصير في اليسار والانتفاضة
الا أن محطتان أساسيتان طبعا شخصية سمير قصير في سنواته الأخيرة.
المحطة الأولى هي انتماؤه الى "اليسار الديمقراطي"، لا بل مشاركته النشيطة والفاعلة في تأسيس هذه الحركة وإطلاقها، في انحياز كامل ومن غير تردّد للعمل السياسي المباشر والى موقع مميّز فيه أراده منبراً يعبّر منه وفيه عن أحلامه وطموحاته في وطن حرّ ومستقل، عربي وديمقراطي وعلماني. وقد ساهم في "تعميم" أحلامه ومشاطرة آخرين بها في موقع يسعى لتحقيقها بواقعية ومن دون أوهام طوباوية، ودون التقوقع في عزلة "طهرانية مزيفة" ، وخصوصاً دون الانزلاق الى مواقع ملتبسة وغير واضحة، تحرف المسار وتضلّل الناس وتأخذهم دون أن يدروا الى الضفة الأخرى.
لقد كان سمير قيادياً في حركة اليسار وكان لصولاته وجولاته الأثر الكبير في رسم سياسة هذه الحركة الفتية وتحالفاتها وأشكال نضالها.
وكعادته لم يكتفِ. لقد كان يهتمّ بأدقّ التفاصيل: عَلَم الحركة وألوانه، شعاراتها، موقعها على الانترنيت، مكاتبها وهيكليتها التنظيمية، انتخاباتها وقد أصرَّ على تطبيق مبادئ الديمقراطية فيها ولَو أنها ما زالت في مرحلة تأسيسية. فكان حضوره يمثّل "ضميرا" في جسم الحركة وقد سعى ناجحاً الى نشر هذا "العناد الديمقراطي" في أوسع شرائحها.
المحطة الثانية كانت انتفاضة الاستقلال.
كعادته، لم يتأخّر هذه المرَّة أيضاً عن الساحة. حتى لتحسَبَ أن هذه الانتفاضة هي انتفاضته الشخصية.
فمنذ اليوم الأول، عشيّة اغتيال الرئيس الحريري وقبل دفنه، تلقَّف بسرعته المعهودة، نداء "انتفاضة الاستقلال" ليباشر التحضير لوضعه موضع التنفيذ. لقد قرأ بسرعة خطورة الحدث وانتقال النظام الأمني الى مرحلة جديدة من البطش والاجرام وقرَّر أن الوقت ليس للتنظير وراء المكاتب وتبادل الأفكار ببرودة وسلبية، أو حتى لتدبيج المقالات أو لبكاء الشهيد ورفاقه. إنه وقتٌ للعمل، قال. وانطلق الى الساحة ينظّم صفوف المعتصمين ويدعوهم الى الاستعداد لمواجهة طويلة ستسدعي منهم الجهد والوقت والصبر والنشاط. ببساطة طالبهم بالبقاء هناك وعدم العودة الى منازلهم. فوصَل الليل بالنهار متابعاً وضع الشباب المنتفض. حاجاته والاستعدادات. اهتم بالاتصالات والخيم والامدادات والتجهيزات والمنبر و الأغاني والهتافات والأعلام.. تابع كل ذلك بشغف العاشق للحريّة، المؤمن بقضيته دون حساب.
فكنتَ تراه آخر الليل، مفترشاً الساحة بين الشباب، مُنهَكاً ولكنه فخورٌ كان بما يراه، غير مصدّق هذه الأعجوبة، على حد تعبيره، المتحقّقة يومياً دون افتعال.
ولم ينسَ في تنقّله، على مدار الساعة، بين مكتبه في "النهار" و"ساحته" قربها ومكتب اليسار واجتماعات المتابعة، أن يترك لخياله العنان في ابتداع الأفكار وتنفيذها فوراً ودون تردّد. فكان شال المعارضة باللونين الأحمر والأبيض، وكان شعار الانتفاضة "05 استقلال"، وكانت الأعلام، والمنصّة، والتجهيزات الصوتية، وكان الاتصال بجميع وسائل الاعلام المحلية والعربية والعالمية، وكان تجهيز موقع الانترنت والعمل على إطلاقه. وكان برنامج فني يومي... وكانت صور القادة الأمنيين في أيدي الشباب المنتفض كسراً لوهرة نظام أمني غاشم...
وفوق كل ذلك كان ظهوراً إعلامياً شبه يومي وتنظيم ظهور اعلامي لآخرين لساعات من البث الفضائي الذي نقل الانتفاضة الى العالم.
كل ذلك، ألم يكن كاف لجعله هدفاً للإغتيال؟!
زائر زائر
موضوع: رد: الشهيد سمير قصير العربي هل سمعت به الأربعاء يونيو 04, 2008 2:40 pm
رحم الله جميع شهدائنا ومناضلينا الذين يستخدمون القلم سلاح